النص
***
أيها الملك الضالُ مَنْ ,
يا تٌرى ضلّلك؟
أهو الحبُّ أم نكتةٌ,
أمْ زمانكَ قد ضيَّعَـك؟!
أم رياحُ القبائل هاجتْ ,
فدار الفلَك؟! ْ
قلتَ شعـراً : (قفا نبكِ)
مثل النساء
وحدك الآنَ تبكي
وجمر الغَـضا
جللكْ
بيد الدهر كندة صارت
عَـفاءً
نرى منزلكْ!
كندةٌ
أنكرَتْ
شعـبها!
غـادرَتْ،
صوتَه،
والمليكُ هلَكْ!!
...............
الدراسة الموجزة
********
النص يبعث رسالةً مشفّرة الى زعامات العرب اليوم ، وكما سيظهر فحواها التفكيك المرَّكز لاشاراته في ادناه ، ومقاربة الدلالات التي سنحصل عليها منه ، واستدعاء المسكوت عنه :
ـ امرؤ القيس (احالية خارجية / التراث الادبي الجاهلي )
ملك ( ورث العرش عن ابيه المقتول ) ، كل امجاده الماقبلية تهتك ومجون ، فهو متوج لاعن جهد او رغبة صميمة في خدمة ( الرعية / الشعب )، بل وصلت اليه السلطة المطلقة دون عناء كونه ولياً للعهد لا أكثر، وفق سنة ( اجتماسياسية ) اقرتها تقاليد موروثة ، لامجال للخوض فيها هنا .
ـ الضال : احالية خارجية ايضاً : من صفات امرئ القيس ، عرف بالضليل لإضاعته سبيل الرشاد والحكمة للسبب اعلاه
ـ كندة ، ( قفا نبك ) : احاليتان خارجيتان كذلك : الاولى لمملكته التي ضاعت لاحقا ، والثانية لمعلقته المعروفة
بنية النص الدلالية:
تتركب البنية الدلالية من مفصلين
الاول / نداء محذوف الاداة مكتفٍ بالمنادى عليه ( أيها الملك الضالُ)
الثاني / ماسد مسد جواب النداء (بيد الدهر كندة صارت عفاءً)
هما اذاً متمفصلان بقرينة / شاهد ، زماني معاصر ( زمن حياة الشاعر المستدعي لذلك التراث ) ، وهذه القرينة يتضمنها سؤال كبير : كيف يتسلط على رقاب الناس من لايجيد سوى لغة المجون والكأس؟
تتعزز(لاجدارة) موضوعة ( ولاية عهد الوريث ذي البطولات الخمرية/ احالة لسيرة امرئ القيس (بقول الشاعر مستفهماً)
....... مَنْ
يا تٌرى ضلّلكْ؟
هو عرضة للتضليل لعدم امتلاكه حصانة الوعي والتراكمية التجاربية الحياتية ، فمن المضلِّل
)أهو الحبُّ أم نكتةٌ )
قد يكون ادمانه ممارسة الحب مع كل من تقع عينه عليها ( الاحالة السابقة )او طرفة كان يطلبها من صحبه المتسكعين معه / المقاربة المعنوية : انصرافه عن المعنى الحقيقي للحياة.
او قد يكون السبب قتله الوقتَ بما لايجدي
أمْ زمانكَ قد ضيَّعَـكْ؟!
او... هو الصراع القبلي:
( أم رياحُ القبائل هاجتْ )
ويجيب الشاعر عن اسئلته:
فدار الفلَكْ؟!
قلتَ شعـراً : (قفا نبكِ)
مثل النساء
وحدك الآنَ تبكي
وجمر الغَـضا
جللكْ!!
اياً يكن السبب ، فإنَّ مآلَ وريث المُلك، والذي كل مؤهلاته ( كأسٌ وغواني ) ، سيكون الى انقلاب الحال ( فدار الفَلك)
وفقدان الحبيب والوطن { احالة ( قفا نبك ) الى سياقها الخارجي / المعلقة } : ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل).
والبكاء لذلك وحيدا كالنساء ، تغطيه مجامر اللوعة والحسرة التي تذكره بدياره الضائعه
الدلالة اللغوية لجمر الغضا : جَمْرُهُ يَبْقَى زَمَناً طَوِيلاً لاَ يَنْطَفِئُ ، يَكْثُرُ فِي مِنْطَقَةِ نَجْدٍ ./ نجد مضارب قبيلة ومهد امرئ القيس ، ذكرها الشاعر للموضعة الحدثية
المقاربة المعنوية العامة للبنية الدلالية للمفصل النصي الاولى ، هي ماسكت عنها المفصل نفسه ، وكمايلي:
من يتصدى للزعامة وحكم الناس وهو ليس منهم ولا من رحم معاناتهم، لن يكون اميناً عليهم سيضيعهم وسيُضيع الوطنَ ، ومهما طلب عون الاخرين ومؤازرتهم لدوام سلطانه ، فسيخيب مسعاه ، كونه فقد دعم شعبه اياه , ليظل معزولاً وحيداً بلا ناصر. اما المفصل الثاني فهو اسقاط الماضي الزعاماتي المذكور بآثار خرابه ، على الواقع الحاضر
(بيد الدهر كندة صارت
عَـفاءً) :
كندة ... لم تَصِرْ عفاءً بذاتها ، بل بسبب ( مُصيِّرٍ ) وهو فساد الحاكم ، فدهر الخراب يمكن ان يعيد نفسه ما استمرت الزعامات المفروضة على الشعوب فرضاً لا اختياراً ، كذلك الحال مع ( انكرتْ ) و ( غادرت)
)نرى منزلكْ!
كندةٌ
أنكرَتْ
شعـبها!
غـادرَتْ
صوتها)
فالوطن لاينكر ابناءه ، ولايغادر صوت احتجاجه ، بل هو الحاكم من يظهره بهذا المظهر ، الحاكم الذي سيفنى:
(والمليكُ هلَكْ!
ويبقى الوطن
وهذه هي فحوى رسالة النص بعد ان فككت شفرتها ، رسالة لكل زعيم ، حاكم ، مهما كانت صفاته ، من لا يختاره شعبه ، فيضيع الاوطان ، ولن يعثر على ( وجهه / عتبة النص) ، مهما بحث في صفحات المعاني الوطنية